تقول: أحقّاً أنك منطلق، أحقّاً أنك مسافر، أحقّاً أنّ الأمر الفلاني سيحدث... ولقد زعمت كتب الصناعة، زعماً يفتقر إلى منطق محكَم، أنّ [حقّاً] منصوب على الظرفية الزمانية؛ والأقرب إلى المنطق اعتدادُه منصوباً على نزع الخافض، وأن الأصل: [أفي حقٍّ]. ونوجّه النظر، إلى أن التركيب هو هو، لا يتغير في كل حال. وإنما الذي يتغير هو الإعراب. وما أهون أن يختلف الإعراب ويسلم التركيب. · ومثل ذلك قول المفضَّل النُّكري (الأصمعيات /231): أَحقّاً أنّ جيرتنا استقلّوا فنيَّتُنا ونيَّتُهمْ فريقُ · قال عبد الله بن الدمينة (الديوان /88): نهاري نهارُ الناسِ حتى إذا بدا ليَ الليلُ هزّتني إليكِ المضاجعُ [نهاري نهار]: لم يستعمل الشاعر هذين الاسمين على أنهما ظرفان يقع فيهما الحدث، فيكونان وعاءً له، بل استعملهما على أنهما ظرفان متصرفان، أي: اسمان كسائر الأسماء، فإعرابهما إذاً، على حسب موقعهما في العبارة. فالأول هنا مبتدأ، والثاني خبر.
مسائل أربع: 1- إذا أُشير إلى الظرف، نحو: [سهرت هذه الليلة]، عُدّ اسم الإشارة هو الظرف. 2- إذا أريد من الظرف كليّةٌ أو بعضيةٌ، نحو: [سهرت كلَّ الليل، نمت بعض الليل، كتبت نصفَ ساعة، قرأت ربعَ ساعة... ]، عُدَّ اللفظُ الكليّ أو البعضيّ هو الظرف. 3- مِن الظروف ما هو مبنيّ، نحو: [إذا - متى - أيّانَ - إذ - أمسِ - الآنَ - مذْ - منذُ - قطُّ - بينا - بينما - ريثما - لمّا - حيث - هنا - ثَمَّ - أيْنَ - أنّى - لدُنْ - لدى... ]. 4- [قبل وبعد] و[الجهات الستّ]: يمين، فوق، تحت، أمام (ومثلها قُدّام)، وراء (ومثلها خلف)، يسار (ومثلها شِمال)، تُبنى على الضمّ إذا قُطعت عن الإضافة. تقول مثلاً: [سافرت قبلَ الفجرِ، ووقفت قدّامَ الطاولةِ]، فإذا قُطع الظرف عن الإضافة بُني على الضم فقيل: [سافرت قبلُ - وقفت قدّامُ]. * * * نماذج فصيحة من استعمال ظرف الزمان وظرف المكان ·] فأوحى إليهم أنْ سبِّحوا بكرةً وعشيّاً [ (مريم 19/11) [بكرةً]: ظرف زمان منصوب، متعلق بـ [سبِّحوا]. إذ البكرة وعاء زمني [ظرف] يحدث فيه التسبيح. ·] قال آيتُك ألاّ تُكلّم الناس ثلاثَ ليالٍ سويّاً [ (مريم 19/10) [ثلاثَ]: ظرف زمان منصوب، متعلق بـ [تكلّم].
مثال: وقفت أمامَ الباب. (ظرف منصوب) وقفت حيثُ الظل. (ظرف مبني على الضم في مل نصب) النائب عن الظرف: 1- قد يحذف ظرف الزمان وينوب عنه المصدر فينصب على أنه نائب عنه إذا دلَّ على زمن، أو بيَّن مقداره. مثال 1: أَعود إلى المنزل غروبَ الشّمسِ. (التقدير:أعود إلى المنزل وقتَ غروبِ الشمس) مثال 2:سأغيب عَنك غمضةَ عينٍ. ( التقدير: سأغيب عَنك مدَّةَ غمضةِ عينٍ) 2- وينوب عن الظرفِ غير المصدرِ مثال: أ- الصفة، مثال: انتظرتك طويلا. (التقدير:انتظرتك زماناً طويلاً) ب- العدد المميز بظرف، مثال:سرت ثلاثَ ساعات وقطعت فيها أحد عشر ميلاً. (التقدير: سرت زمناً ثلاثَ ساعاتٍ وقطعت فيها مسافةَ أحد عشر ميلا). ج- المضاف إلى الظرف،مثل كلّ وبعض وأيّ، مثال:انتظرتك كلَّ النَّهار. صمت بعض الأيَّام. صمت نصف رمضان. أيَّ ساعة تزرني تجدني في البيت. د- اسم الإشارة المتبوع بظرف، مثال:مكثت ذلك اليوم في القرية. خروج الظرف عن إعراب الظرفية: قد يخرج الظرف عن إعراب الظرفية إلى حالة إعرابية أخرى وهو في هذه الحالة لا يسمى مفعولا فيه رغم استمراره في الدلالة على الزمان أو المكان. أمثلة: - الصباح مشرق. مبتدأ - موعدنا في الصباح. اسم مجرور - إنَّ الصباح مشرق.
وأصل المعنى: [ألاّ تُكلم الناس زمناً مدّته ثلاث ليالٍ]، ولكن الآية جرت على سَنَن العرب في الإيجاز، فحذفت الظرف واجتزأت بعدده. ·] ومن الليل فسبِّحهُ وإدبارَ النجوم [ (الطور 52/49) [إدبارَ]: ظرف زمان منصوب، متعلّق بـ [سبِّح]. وهو مصدرُ [أدبَرَ - يُدْبِر]. والأصل: سبِّحه وقت إدبار النجوم، أي وقت غروبها، ولكن الآية جرت على سَنَن العرب في الإيجاز، فحذفت الظرف واجتزأت بالمصدر. · قال يزيد بن الصَّعِق، ويعزى لغيره (الخزانة 1/429): فساغ ليَ الشرابُ وكنتُ قبلاً أكاد أَغَصُّ بالماء الفُراتِ [قبلاً]: ظرف زمان منصوب، والشاعر بنصبه له وتنوينه، قد أشعر القارئ أنْ ليس بعد هذا الظرف مضاف إليه محذوف. إذ لو كان بعده مضاف إليه محذوف، وكان الأصل قبل الحذف هو مثلاً: [وكنت قبل كذا أكاد... ]، لقال: [وكنت قبلُ]، فيُبنى الظرف في هذه الحال على الضم. وهو ما نبّهنا عليه في البحث إذ قلنا: [إذا قُطع الظرف عن الإضافة بُني على الضمّ]. · قال الشاعر (همع الهوامع 3/196): لَعَنَ الإلهُ تَعِلَّةَ ابنَ مسافرٍ لَعْناً يُشَنُّ عليه مِنْ قُدّامُ [قدّامُ]: ظرف، والظرف إذا قُطِع عن الإضافة (أي: حُذِف المضاف إليه بعده)، يُبنى على الضمّ، وذلك ما فعله الشاعر إذ قال: [من قدامُ]، وهو ما نوّهنا به في البحث إذ قلنا: [إذا قُطِع الظرف (قبل وبعد والجهات الست) عن الإضافة بُنِيَ على الضمّ].
4- إذا حذف المضاف إليه لفظا ومعنى وفي هذه الحالة ينون ومنه قول الشاعر: وساغ لي الشراب وكنت قبلا *** أكاد اغص بالماء الفرات وتكون مبنية على الضم في محل نصب غذا حذف المضاف إليه ونوي معناه نحو " {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (4) سورة الروم. الظروف المتصرفة: ما يستعمل ظرفًا وغير ظرف كأَكثر أَسماءِ الزمان والمكان ، إِذ تجيءُ فاعلاً ومفعولاً ومجرورة.. إلخ ، فيقال لها ظروف متصرفة: يومُ الخميس قريب ، أُحب ساعةَ الصبح ، الميلُ ثلث الفرسخِ. أَما ما لا يستعمل إِلا ظرفًا أَو شبه ظرف (مجرورًا بمن) فيسمى ظرفًا غير متصرف مثل (( إذا ، قبل ، بعد ، قطُّ)) ما كذبتن قطُّ ، سأحضر من بعد العصر. الظروف المبنية: الظروف منها معرب ومنها مبني يلازم حالة واحدة ، و أَهم الظروف المبنية: 1ـ ظروف المكان المبنية: اجلس حيثُ انتهى بك المجلس - اذهب من حيث أَتيت - سافر إلى حيثُ أَنت رابح. تضافُ (( حيثُ)) دائمًا إلى الجمل الفعلية أَو الاسمية. هنا - قف هنا ثَمَّ - اجلس ثَمَّ ، قف ثَمَّةَ أين - أين سافرت ؟ عل - أتكلمنا من علُ ؟ انحدر الصخر من علٍ دون - الكتاب دونَ الرف.
· قال الشاعر (همع الهوامع 3/188): اليوم أعلمُ ما يجيء بهِ ومضى بفضل قضائه أمسِ [أمسِ]: اسم يدلّ على الزمان. ويبنى على الكسر، إذا أريد به اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه. ولم يُستعمل في البيت ظرفَ زمان، يقع فيه الحدث فيكون وعاءً له، بل استعمل كما تُستعمل سائر الأسماء، فهو هاهنا فاعل لفعل: [مضى]. وهذا معنى قولهم: [ظرف متصرف]. · ومنه قول المعريّ: أمسِ الذي مرّ على قربه يعجز أهل الأرض عن ردّهِ فكلمة: [أمسِ]، في البيت، استُعملت استعمال ظرفٍ متصرف، يُعرب على حسب موقعه من العبارة كسائر الأسماء. فهي هنا: اسمٌ مبني على الكسر، في محل رفع مبتدأ، خبره جملة [يعجز أهل الأرض عن ردّه]. ·] يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً [ (الإنسان 76/7) [يوماً]: لم يستعمل في الآية ظرفاً يقع فيه الحدث فيكون وعاءً له، بل استعمل غير ظرف. أي استعمل كما تستعمل سائر الأسماء، فمحلُّه إذاً من الإعراب في الآية، مفعول به منصوب. ويقول عنه النحاة في هذه الحال: [ظرف متصرف]. · قال عبد الله بن الدمينة (الديوان /103): أَحقّاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ صادراً ولا وارداً إلاّ عليَّ رقيبُ قوله: [أحقاً... أنْ لست... ] تركيب عربي فصيح، يُستَعمل كما جاء، بدون تغيير ولا تبديل.
لدُنْ: {وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً}. هذا ، وإذا أُضيف الظرف المتصرف المعرب إلى جملة جاز بناؤُه على الفتح ، وجاز إعرابه مثل: {هَذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، إلا أَن الأَحسن مراعاة الكلمة التي بعدها فإن كانت معربة أُعرب. وإن كانت مبنيةً مثل (على حينَ عاتبت المشيب على الصبا) بني. وأقول ـ لاختصار القاعدة التي سألت عنها لعلك لحظت قوله: ما يستعمل ظرفًا وغير ظرف... فعض على هذه الجملة بنواجذك تعرف منها الظرف المنصوب والظرف المبني. فما كان من الظروف متصرفًا ، فهو منصوب على الظرفية ، وما كان غير متصرف فهو مبني في محل نصب. والمقصود بالمتصرف هو ما يأتي في مواقع إعرابية غير كونه ظرفًا كالأمثلة التي ذكرها المؤلف: يوم ـ ساعة ـ ميل. فيكون مبتدأ ، كقولك: يوم الخميس قريب. ويكون خبرًا كقولك: أحب الأيام إلي يوم الجمعة. ويكون مفعولا به ، كقولك: أحب ساعة الفجر. وهكذا. وأما غير المتصرف فهو ما لا يأتي إلا ظرفًا ، لظروف الزمان والمكان المبنية. نفعنا الله وإياك بما نكتب ونقول..
لغة عربية ظروف الزمان و المكان v ظرفُ الزّمانِ: اسمٌ يدلُّ على زمانِ وقوعِ الفعلِ، ويكونُ بعضُه مُعْرباً والآخرُ مبنياًّ، ويُستفهمُ عنه بمتى. 1-الظّرفُ المُعْرَبُ: يكونُ منصوباً على الظّرفيةِ الزّمانيةِ، مثال: صُمْتُ يوماً في شعبانَ، يوماً:مفعولٌ فيه ظرفُ زمانٍ منصوبٌ وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظّاهرةُ. أشهرُ ظروفِ الزّمانِ المعربة:يومَ- شهرَ- سنةَ- عاماً- ساعةً- صباحاً- مساءً- ظهراً- عصراً- ثانيةً- دقيقةً- أسبوعاً- وقتَ- أبداً- حينَ- زمانَ- أمداً- نهاراً- ليلاً- ليلةَ- سحراً- غداةَ- لحظةَ- هنيهةَ- موهناً. مثال: ألمَّ خيالٌ من أميمةَ موَْهناً*** وقد جعلَتْ أُولى النُّجومِ تغورُ موهناً: مفعولٌ فيه ظرفُ زمانٍ منصوبٌ وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظّاهرةُ على آخرِهِ. الظّرفُ المبنيُّ: يكونُ مبنيّاً على ما ينتهي به آخرُهُ في محلِّ نصبٍ على الظّرفيةِ الزّمانيةِ. مثال:لم أسِئْ إلى أصحابي قطُّ، قطُّ: ظرفٌ لاستغراقِ الزّمنِ الماضي مبنيٌّ على الضّمِّ في محلِّ نصبٍ. أشهرُ ظروفِ الزّمانِ المبنية: إذا- إذْ- منذُ- مذْ- أمسِ- أيّان –الآنَ- قطُّ- لمّا- لدنْ- ريثَ- ريثما- كلّما. ملاحظاتٌ: أمسِ: إذا كانَ مجرّداً من "الــ" فهو اسمُ معرفةٍ يدلُّ على اليومِ السّابقِ ليومِنا، ويكونُ مبنيّاً على الكسرِ في محلِّ نصبٍ على الظّرفيةِ الزّمانيةِ.