كان ابو العاص بن الربيع دائم التردد على بيت خالته السيدة خديجة رضي الله عنها. وذلك لحبه وتيمنه لابنتها زينب ومع كل يوم كان حبه لزينب يزداد ويكبر. وفي يوم من الأيام استجمع قوته وﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ أبيها محمد " صلى الله عليه وسلم " يقول له بكل حسم"أريد أن أتزوج زينب.. ابنتك الكبرى"، فقال له النبي" صلى الله عليه وسلم ": "ﻻ أفعل حتى استأذنها"، ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب "ابن خالتك ابو العاص جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجا لك؟". ﻓﺎﺣﻤر وجهها وابتسمت فهذا إن دل على شيء فإنها الرغبة والحب والقبول. فغار شباب قريش من أبي العاص حين وافق النبي صلى الله عليه وسلم على زواجه من ابنته زينب. فعاتبت قريش النبي لأن أعرافهم تقر على أن ابن العم هو الأولى من ابن الخالة. ومضت الايام وانزل الله البشرى والوحي على ابيها محمد "صلى"، فانتظرت السيدة زينب عودة زوجها وأب أبنائها الغائب مع تجارته في الشام لتخبره بإسلامها. فأجابها في غضب "لن أومن بأبيك ولا برسالته"، ثم خرج من بيته غاضبا خائفا في نفس الوقت على صورته أمام الناس أن يقولوا أنه هجر دين آبائه لإرضاء زوجته وضعفه لحبها. كان مشوشا في ما يتعلق بدينه، أما دنياه فقد أعلنها صريحة أمام سادة قريش: " لا والله لا أفارق صاحبتي ولا يعوضني عنها احد وأن لي أفضل امرأة في قريش".
احتضنت أبنائها وقالت: "لن تطلع علينا الشمس يا أبنائي في مثل يومنا هذا إلا وإحدانا يتيم" يا الله على هذا المشهد المؤلم. ولكن الله عز وجل قدر لهذه المعركة أن تكون انتصار للمسلمين وأحبتهم ولم لا وان اهم طرف فيها حبيبه النبي (ص) بعد ذلك ببضعة أيام دخلت عليها عمتها تخبرها بانتصار أبيها في بدر فسجدت شكرا لله، ثم سألت عمتها: "وماذا فعل زوجي؟"، أطرقت عمتها رأسها في حزن حتى كاد قلب زينب ينفطر: "لم يقتل زوجك ولكنه أسير". لم تكن عائلة أبو العاص ينقصها المال لتفتدي به ابنها الأسير، لكن زينب اختارت أن تفك أسر زوجها بطريقتها. جلس شقيق بن العاص بين يدي رسول الله قائلا: " بعثتني زينب بهذا فداء لزوجها"، ثم أخرج صرة ووضعها بين يدي النبي" صلى الله عليه وسلم " ، وفتح سيدنا النبي الصرة فوجد قلادة خديجة التي أهدتها لزينب في عرسها، فخفق قلبه وارتعش.. يا الله قلادة خديجة حبيبتي ورفيقتي وأول من صدق وامن برسالتي ومعينتي ضد الأعداء وأم أبنائي. وجد ابنته بهذه القلادة تذكره بالحب الذي كان بينه وبين خديجة. وبأن ابن العاص زوج وحبيب وابن خالة. كانت تذكره بأنه ليس من طرف زينب فقط ولكن من طرف خديجة حبيبته أيضا. كان الموقف مؤثرا.
سالت دموع أصحاب الرسول " صلى الله عليه وسلم " من جلال الموقف وروعته. صمت النبي " صلى الله عليه وسلم " قبل أن يقول لأصحابه: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". ففعلوا.. فكيف لا وهم يؤمنون به ويحبونه ويحبون ما يحب.
خرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة، لم تكن تدرك أن الحب الذي كَتب لزوجها حياة جديدة كان هو نفسه الثمن عودتها، فقال لها وهو مخنوق العبر"عودي إلى أبيكِ يا زينب"، فما استطاع أن يتمالك نفسه، ومضى يقول لأخيه "يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحبّ أن لي امرأة من قريش غيرها، وإنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها، فاصحبها ، وأرفق بها في السفر، وارعها رعاية الحرمات، و لا تدخر جهداً في حمايتها حتى تبلغ ابيها. ظلت زينب ترفض الخطاب لمدة ست سنوات على أمل أن يعود إليها زوجها. وفي ليلة، طرق شخص بابها قبيل أذان الفجر فسألت من الطارق " انا ابو العاص" حينها سألته بلهفة: "أجئت مسلما؟" قال: "بل جئت هاربا"، سألته وبصيص أمل يلوح في الأفق: "فهل لك أن تسلم؟"، فرفض فقالت بصوت متحسر وحزين: "لا تخف مرحبا بابن الخالة. مرحبا بأبي علي وأمامة" حكى لها أبو العاص أنه كان يقود قافلة بتجارة قريش إلى الشام، وعند عودته التقته سرية من المسلمين فأصابوا كل ما معهم، وهرب هو منهم وتسلل حتى وصل إلى خيمتها. وبينما سيدنا النبي يؤم المسلمين في صلاة الفجر، وقبل أن ينهى صلاته سمع صوتا يقول: "أيها الناس إني أجرت أبا العاص". كان يعرف أنه صوت ابنته زينب، فقال للمصلين: "أما والذي نفس محمد بيده.. ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم"، وصمت.